السبت، 6 أغسطس 2016

الرئيسية التحليل الموضوعي

التحليل الموضوعي


عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أرأيت إذا صليت المكتوبات ، وصمت رمضان ، وأحللت الحلال ، وحرمت الحرام ، ولم أزد على ذلك شيئا ، أأدخل الجنة ؟ قال : نعم رواه مسلم .

الحاشية رقم: 1
هذا الحديث خرجه مسلم من رواية أبي الزبير عن جابر ، وزاد في آخره قال : والله لا أزيد على ذلك شيئا . وخرجه أيضا من رواية الأعمش عن أبي صالح وأبي سفيان عن جابر قال : قال النعمان بن قوقل : يا رسول الله ، أرأيت إذا صليت المكتوبة ، وحرمت الحرام ، وأحللت الحلال ، ولم أزد على ذلك شيئا أأدخل الجنة ؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم : " نعم " .

وقد فسر بعضهم تحليل الحلال باعتقاد حله ، وتحريم الحرام باعتقاد حرمته مع اجتنابه ، ويحتمل أن يراد بتحليل الحلال إتيانه ، ويكون الحلال هاهنا عبارة عما ليس بحرام فيدخل فيه الواجب والمستحب والمباح ، ويكون المعنى أنه يفعل ما ليس بمحرم عليه ، ولا يتعدى ما أبيح له إلى غيره ، ويجتنب المحرمات . وقد روي عن طائفة من السلف ، منهم ابن مسعود وابن عباس في قوله عز وجل : الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به [ البقرة : 121 ] ، قالوا : يحلون حلاله ويحرمون حرامه ، ولا يحرفونه عن مواضعه . ص: 514 ] والمراد بالتحليل والتحريم : فعل الحلال واجتناب الحرام كما ذكر في هذا الحديث . وقد قال الله في حق الكفار الذين كانوا يغيرون تحريم الشهور الحرم : إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله [ التوبة : 37 ] والمراد : أنهم كانوا يقاتلون في الشهر الحرام عاما ، فيحلونه بذلك ، ويمتنعون من القتال فيه عاما ، فيحرمونه بذلك .

وقال الله عز وجل : ياأيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا [ المائدة : 87 - 88 ] وهذه الآية نزلت بسبب قوم امتنعوا من تناول بعض الطيبات زهدا في الدنيا وتقشفا ، وبعضهم حرم ذلك على نفسه ، إما بيمين حلف بها ، أو بتحريمه على نفسه ، وذلك كله لا يوجب تحريمه في نفس الأمر ، وبعضهم امتنع منه من غير يمين ولا تحريم ، فسمى الجميع تحريما ، حيث قصد الامتناع منه إضرارا بالنفس ، وكفا لها عن شهواتها . ويقال في الأمثال : فلان لا يحلل ولا يحرم ، إذا كان لا يمتنع من فعل حرام ، ولا يقف عند ما أبيح له ، وإن كان يعتقد تحريم الحرام ، فيجعلون من فعل الحرام ولا يتحاشى منه محللا له وإن كان لا يعتقد حله .

وبكل حال ، فهذا الحديث يدل على أن من قام بالواجبات ، وانتهى عن المحرمات دخل الجنة وقد تواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا المعنى ، أو ما هو قريب منه ، كما خرجه النسائي ، وابن حبان ، والحاكم من حديث أبي هريرة وأبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما من عبد يصلي الصلوات الخمس ، ص: 515 ] ويصوم رمضان ، ويخرج الزكاة ، ويجتنب الكبائر السبع ، إلا فتحت له أبواب الجنة ، يدخل من أيها شاء ثم تلا : إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما [ النساء : 31 ] .

وخرج الإمام أحمد والنسائي من حديث أبي أيوب الأنصاري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من عبد الله ، لا يشرك به ، وأقام الصلاة ، وآتى الزكاة ، وصام رمضان ، واجتنب الكبائر ، فله الجنة - أو دخل الجنة - .

وفي " المسند " عن ابن عباس أن ضمام بن ثعلبة وفد على النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر له الصلوات الخمس ، والصيام ، والزكاة ، والحج ، وشرائع الإسلام كلها ، فلما فرغ قال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وسأؤدي هذه الفرائض ، وأجتنب ما نهيتني عنه ، لا أزيد ولا أنقص ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن صدق دخل الجنة وخرجه الطبراني من وجه آخر ، وفي حديثه قال : والخامسة لا أرب لي فيها يعني الفواحش ثم قال : لأعملن بها ، ومن أطاعني ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لئن صدق ليدخلن الجنة " .

ص: 516 ] وفي " صحيح البخاري " عن أبي أيوب أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم : أخبرني بعمل يدخلني الجنة ، قال : تعبد الله لا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصل الرحم وخرجه مسلم إلا أن عنده أنه قال : أخبرني بعمل يدنيني من الجنة ويباعدني من النار . وعنده في رواية : فلما أدبر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن تمسك بما أمر به ، دخل الجنة " .

وفي " الصحيحين " عن أبي هريرة أن أعرابيا قال : يا رسول الله ، دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة قال : تعبد الله لا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة المكتوبة ، وتؤدي الزكاة المفروضة ، وتصوم رمضان ، قال : والذي بعثك بالحق ، لا أزيد على هذا شيئا أبدا ولا أنقص منه ، فلما ولى ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا .

وفي " الصحيحين " عن طلحة بن عبيد الله أن أعرابيا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثائر الرأس ، فقال : يا رسول الله ، أخبرني ماذا فرض الله علي من الصلاة ؟ فقال : الصلوات الخمس ، إلا أن تطوع شيئا فقال : أخبرني بما فرض الله علي من الصيام ؟ فقال : شهر رمضان إلا أن تطوع شيئا فقال : أخبرني بما فرض الله علي من الزكاة ؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرائع الإسلام ، فقال : والذي أكرمك بالحق ، لا أتطوع شيئا ولا أنقص مما فرض الله علي شيئا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أفلح إن صدق - أو دخل الجنة إن صدق - ولفظه للبخاري .

ص: 517 ] وفي " صحيح مسلم " عن أنس أن أعرابيا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فذكره بمعناه ، وزاد فيه " حج البيت من استطاع إليه سبيلا " فقال : والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهن ولا أنقص منهن ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لئن صدق ليدخلن الجنة " .

ومراد الأعرابي أنه لا يزيد على الصلاة المكتوبة ، والزكاة المفروضة ، وصيام رمضان ، وحج البيت شيئا من التطوع ، ليس مراده أنه لا يعمل بشيء من شرائع الإسلام وواجباته غير ذلك ، وهذه الأحاديث لم يذكر فيها اجتناب المحرمات ، لأن السائل إنما سأله عن الأعمال التي يدخل بها عاملها الجنة .

وخرج الترمذي من حديث أبي أمامة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب في حجة الوداع يقول : أيها الناس ، اتقوا الله ، وصلوا خمسكم ، وصوموا شهركم ، وأدوا زكاة أموالكم ، وأطيعوا ذا أمركم ، تدخلوا جنة ربكم وقال : حسن صحيح ، وخرجه الإمام أحمد ، وعنده " اعبدوا ربكم " بدل قوله " اتقوا الله " . وخرجه بقي بن مخلد في " مسنده " من وجه آخر ، ولفظ حديثه : " صلوا خمسكم ، وصوموا شهركم ، وحجوا بيتكم ، وأدوا زكاة أموالكم ، طيبة بها أنفسكم ، تدخلوا جنة ربكم " .

وخرج الإمام أحمد بإسناده عن ابن المنتفق ، قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بعرفات ، فقلت : ثنتان أسألك عنهما : ما ينجيني من النار ، وما يدخلني الجنة ؟ فقال : لئن كنت أوجزت في المسألة ، لقد أعظمت وأطولت ، فاعقل عني إذن : اعبد الله لا تشرك به شيئا ، وأقم الصلاة المكتوبة ، وأد الزكاة المفروضة ، وصم ص: 518 ] رمضان ، وما تحب أن يفعله بك الناس ، فافعله بهم ، وما تكره أن يأتي إليك الناس ، فذر الناس منه .

وفي رواية له أيضا قال : " اتق الله ، ولا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتحج البيت ، وتصوم رمضان ، ولم تزد على ذلك " وقيل : إن هذا الصحابي هو وافد بن المنتفق ، واسمه لقيط .

فهذه الأعمال أسباب مقتضية لدخول الجنة ، وقد يكون ارتكاب المحرمات موانع ، ويدل على هذا ما خرجه الإمام أحمد من حديث عمرو بن مرة الجهني، قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، شهدت أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله ، وصليت الخمس ، وأديت زكاة مالي ، وصمت شهر رمضان ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من مات على هذا كان مع النبيين والصديقين والشهداء يوم القيامة هكذا - ونصب أصبعيه - ما لم يعق والديه " .

ص: 519 ] وقد ورد ترتب دخول الجنة على فعل بعض هذه الأعمال كالصلاة ، ففي الحديث المشهور : من صلى الصلوات لوقتها ، كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة وفي الحديث الصحيح : من صلى البردين دخل الجنة ، وهذا كله من ذكر السبب المقتضي الذي لا يعمل عمله إلا باستجماع شروطه ، وانتفاء موانعه ؛ ويدل هذا على ما خرجه الإمام أحمد عن بشير بن الخصاصية ، قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم لأبايعه ، فشرط علي شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وأن أقيم الصلاة ، وأن أوتي الزكاة ، وأن أحج حجة الإسلام ، وأن أصوم رمضان ، وأن أجاهد في سبيل الله ، فقلت : يا رسول الله ، فأما اثنتان فوالله ما أطيقهما : الجهاد والصدقة ، فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يده ، ثم حركها ، وقال : " فلا جهاد ولا صدقة ؟ فبم تدخل الجنة إذا ؟ " قلت : يا رسول الله أبايعك ، فبايعته عليهن كلهن ففي هذا الحديث أنه لا يكفي في دخول الجنة هذه ص:520 ] الخصال بدون الزكاة والجهاد . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.